كُتاب المقالات

من يسرق البيضة… يسرق الجمل

-

بقلم: أ. سراء عبدالله

في بيئة العمل على تنوعها، تبقى المواقف الصغيرة هي المعيار الحقيقي للنزاهة. لا تُقاس القيم في ضوء الكاميرات، ولا تُختبر المبادئ في ساحات التصفيق. وحده الخفاء يكشف المعادن، ويُظهر الفرق بين من يُمارس الأمانة قناعة، ومن يتجمّل بها مصلحة.

ليست كل الاختبارات المهنية مرتبطة بالإنتاج أو المهام، أحيانًا تأتي الفرصة في صورة بسيطة؛ مبادرة تطوعية، أو فعالية صحية، أو منافسة خفيفة، والنية المعلنة منها: الترفيه أو التحفيز. لكن الحقيقة، أنها تكشف عن أخلاقيات دفينة لا تظهر في السير الذاتية.

أطلقت إحدى الجهات مبادرة للياقة، تعتمد على المشي وتسجيل الخطوات. هدفها نبيل، وتحديها بسيط. شارك فيها الموظفون بحماسة، وكانت النتائج في معظمها مشرفة… حتى بدأت تظهر أرقام لا تصدق. أرقام تقفز بشكل مفاجئ، وساعات ذكية تدّعي أنها كانت غير متصلة، وهواتف تُهزّ في زوايا المكاتب بدلًا من أن تتحرك في الطرقات!

ربما مشّت بعضهم فعلًا، وربما اجتهد، ولكن حين يُختار طريق الحيلة بدلاً من الصدق، يصبح الإنجاز بلا قيمة. وحين تُزيَّف الأرقام لتحقيق فوز رمزي، فالمشكلة لم تعد في الجهاز… بل في الضمير.

هؤلاء ليسوا كُثُر، لكن وجودهم مقلق. وربما كان لسلوكهم جذور؛ تهميش سابق، أو رغبة ملحّة في الظهور، أو اعتقاد أن الغاية تبرر الوسيلة. لكن هذا لا يبرر الغش، ولا يُجمّل الكذب. من يبحث عن التقدير عليه أن يسلك درب الاستحقاق، لا دروب الخداع.

وهنا يأتي دور القيادة. فالقائد الحقيقي لا يُكافئ كل رقم مرتفع، بل ينظر في ما وراءه. لا يُصفّق لمن تصدّر، بل لمن استحقّ الصدارة. فالتصفيق للزيف يُحبط المجتهدين، ويشجع الملتفين، ويخلق بيئة مشوشة يتراجع فيها صوت الحق أمام صدى التلاعب.
وتكثر فيها الصراعات والأراجيف.

من يغش في أمر بسيط، قد يغش في أمر جلل. ومن يرضَ بالقليل من التزييف، لا يُؤتمن على الكثير من الأمانة.

وفي الختام:
من يسرق البيضة في مسابقة، سيسرق الجمل إن أُتيحت له الفرصة.
ومن يُجمّل الخطأ ليبدو صوابًا، يخلط في الموازين بين المبدأ والمصلحة.
والمجتمعات لا تنهض بشهادات الأرقام، بل بثبات القيم.


اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى