عام

معالي الدكتور صالح بن حميد في خطبة الجمعة: إن التعليم هو مفتاح التقدم ، وطريق النهضة ، وهو السبيل لاستشراف المستقبل ، بالتعليم تبنى العقول ، ويكون الإبداع

- المركز الإعلامي

أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام واستهل خطبته قائلًا: أيها المسلمون: التعليم هو مفتاح التقدم ، وطريق النهضة ، وهو السبيل لاستشراف المستقبل ، بالتعليم تبنى العقول ، ويكون الإبداع .
بالتعليم تغرس العقيدة الصحيحة ، والتوحيد النقي ، بالتعليم الصحيح يفهم المتعلم الإسلام فهما صحيحاً ، متكاملاً ، وسطا ، التعليم هو الذي يزود بالقيم، والمثل العليا ، ويكسب المعارف والمهارات ، وينمي الاتجاهات ، والسلوك البناء ، بالتعليم يكون استقرار المجتمع وتطوره ، ويكون به الفرد عضواً نافعاً في أمته، والتعليم هو الذي يحدد الهوية ، ويشكل الأخلاق ، ويضبط الثقافة ، ويحقق الاندماج في المجتمع ، وهو الذي يحقق أهداف الخطط : دينية ، وسياسية ، واقتصادية ، واجتماعية ، وثقافية ، وغيرها .
معاشر الإخوة : التعليم ينجح حين يُحْكِم العلاقة بين المعلِّم والمتعلم، والتعليم ينجح حين يؤدي المعلم وظيفته ، بل رسالته بإتقان ، والتعليم ينجح حين يقتنع المعلم بدوره العظيم ، ومسؤوليته الكبرى في بناء الإنسان ، ويكون مؤمنا بالثروة البشرية التي تخرج من تحت يده .
معاشر المسلمين : المعلم هو ركن نجاح التعليم ، المعلم – بإذن الله – هو عماد الأوطان ، وكلما رسخت القيمة العالية للمعلم كانت النهضة والحضارة .
المعلم هو ذو الخبرة الذي يؤخذ منه العلم والتربية ، ولولاه لما كانت المهن ولا المهارات ، ولا الاختصاصات ، وهو الذي يمدها بالعناصر البشرية المؤهلة علميا وأخلاقيا واجتماعيا .
المعلم – بتوفيق الله – هو صانع العقول يخرج من تحت يده : العالم ، والداعية ، والقاضي ، والمهندس ، والطبيب ، والمخترع ، والمكتشف ، والعسكري ، والتاجر ، والفلاح ، والصانع ، وغيرُهم من أرباب الوظائف ، والمهن ، والحرف ، وأصحاب الفكر والقلم ، والرأي ، كل هؤلاء من صنع يده ، ومن خط قلمه، بل عظماء التاريخ ، وكبار العلماء ، ورجال السياسة ، وصناع القرار ، كل هؤلاء مروا من تحت المعلم في نظام تعليمي وتربوي طويل ومتين .
إن موطن القوة في بناء الأوطان هو المعلم ، والدول حين تخطط لبناء المصانع لإنتاج المعدات والمراكب ، والأدوات والأجهزة ، تضع في مقدمة ذلك خطتها لصانع العقول الذي من تحت يده يكون إنتاج هذا كلِّه .
معاشر الإخوة : إن إعداد المعلم صناعةٌ مستقلة بذاتها ، قائمة بأركانها، والمعلمون العظماء هم القادرون – بإذن الله – على تغيير الحياة نحو الأفضل، وهم القدوة الذين يحدثون الأثر عظيم في حياة طلابهم .
أيها المسلمون : ومن أجل هذا فإن المعلم الكفء هو المعلم المخلص ، المتمسك بدينه ، المستقيم في سلوكه ، المنضبط في تصرفاته ، الحازم ، القوي ، يقدر الظروف ، ويتفهم الدوافع ، واسع الأفق ، يهتم بالثقافة العالية ، متمكن من مادته وتخصصه ، حليم ، واسع الصدر ، مرن ، صبور ، قادر على التكيف .
المعلم الكفء هو المتميز في تخصصه ، الجاد في عمله وأدائه ، القدوة الحسنة في حسن خلقه ، المعتدل الوسط في تعامله، المعلم طاقة فياضة ، يتألق في أدائه ، يقدم العلم في أفضل صورة ، يحفز المجتهد ليزداد ، ويساعد الضعيف ليرتقي ، يحبب الطلاب في المادة ، ويشوقهم بالأسلوب ، ويجذبهم بالطريقة ، يسمعون منه كلمة الشكر والتقدير، ويتلقون منه التحفيز والتشجيع، المعلم قائد لطلابه ، فعلاقته بهم علاقة مشاركة ، وتعليم ، وتربية ، وتدريب .
وليعلم المعلم الكريم أن عيون الطلاب معقودة بعينه ، فالحسن عندهم ما يستحسنه ، والقبيح عندهم ما يكرهه ، كما يقول علماؤنا، أيها المعلم الكريم : بين يديك أثمن ما تملكه الأمة ، بين يديك ثروة تتضاءل أمامها كنوز الأرض جميعُها ، إنها الثروة البشرية .
أنت حامل رسالة العلم ، ومنشئ الأجيال – بإذن الله – ، ومربي الرجال ، ومعلم الناس الخير، أنت بإذن الله بحسن تعليمك ، وصدق توجيهك تجعل الناشئة قرة أعين لوالديهم ، وذخيرة لأوطانهم ، وبناة لحضارتهم، أنت القدوة الصالحة إذا صَلَحْتَ ، واحذر التناقض بين القولِ والعملِ ، والظاهرِ والباطنِ ، فازدواجية التوجيه مَهْلَكة، أنت تؤثر على طلابك بأقوالك وأفعالك ، ومظهرك ، وفي كل تصرفاتك وأحوالك، مهمتك هي تعليم العلم ، وتهذيب النفوس ، وتوجيه السلوك ، وبناء الحياة الصالحة .
أيها المعلمون : أنتم الوارثون والمورثون : من علَّم منكم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص ذلك من أجر العامل شيئا ، بهذا جاء الحديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وأنتم الوارثون وأنتم المورثون : (العلماء ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) .
أنتم الوارثون وأنتم المورثون : (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقةٍ جارية ، أو علمٍ ينتفع به بعده ، أو ولدٍ صالح يدعو له)، أنتم لكم حظ وافر من هذا الحديث الشريف بأنواعه الثلاثة ، فالمرشد إلى الصدقة ودليلها هو المعلم ، فأنتم شركاء، فما يبذل من صدقات وما ينشأ من وصايا وأوقاف أنتم فيه شركاء ، وأنتم فيه وارثون موروثون، وأما الولد الصالح فإنما هو ثمرة العلم ، والتربية والتزكية ، فما أعظم ما يخلف العالم والمعلم من أجر وما أكبر ما يحدث من أثر .
أيها المسلمون : ومع العالم المعاصر ومتغيراته ومستجداته لا بد في بناء المعلم وتكوينه أن يواكب هذه المتغيرات المتلاحقة المتسارعة فيما يحقق المصالح ، ويحافظ على الأهداف، المعلم فرد في المجتمع يؤثر فيه ويتأثر به ، وهموم المجتمع هي همومه ، فلا ينبغي أن يحصل انفصام بين مهمته السامية التعليمية وعضويته الفعالة في المجتمع ، المعلم في العالم المعاصر المتغير يدرك أثر المصادر المتجددة في المعلومات بين وسائل التواصل وغيرها ، فيتعامل معها بما يحفظ على الطلاب استقرارهم ، وحسن سلوكهم ، واستفادتهم من هذه التقنيات .
أيها الإخوة : وإن للإعلام دورا عظيما في ترسيخ مكانة المعلم ، ونشر هيبته ، وحفظ منزلته ، وبخاصة من خلال الروايات ، والقصص ، والمسلسلات ، وأدوات التواصل ، والحذر كل الحذر من أن تتضمن أيُّ مادة إعلامية الحطَّ من مكانته ، أو التقليلَ من وظيفته ، أو التنقصَ رسالته، وبعد حفظكم الله : فكل جهد كريم وعمل مبارك يبذل في سبيل تحسين التعليم منطلقه هو إعداد المعلم الجيد والأستاذ الكفء لأنه من أهم مقومات بلوغ أهداف التربية والتعليم .
إنه بصلاح المعلم تصلح الأجيال ، وباحترام المعلم ترتقي الأمة ، وبضعفه تضعف، وإذا كان وراء كل أمة عظيمة تربيةٌ عظيمة فإن وراء كل تربية عظيمة معلما عظيماً ، ولا يصلح التعليم إلا إذا صلح المعلم إعداداً وديناً ، وخلقاً وثقافة .
واستهل معاليه خطبته الثانية قائلاً: معاشر المسلمين : احترام المعلم ، ومعرفة حقه هو توفيق من الله وهداية ، ومن أهمل ذلك ، أو قصر فيه فهو من دلائل العقوق ، والخذلان ، والخسران .
أيها الطالب الموفق : من علمك حرفا فأخلص له وداً ، اكتسب من المعلم أخلاقه قبل علمه ، وأدبه قبل درسه ، اجعله قدوة فيما صلح من أمره ، ولا تتبع ما أخطأ فيه من فعله ، واحفظ له من العين ما رأت ، ومن الأذن ما سمعت ، ذب عن عرضه ، واحفظه في غيبته، وانتم أيها الآباء أيها الأمهات : قفوا مع المعلم ، وعلموا أولادكم احترامه ، وحفظ مكانته ، لا تسمحوا لهم بالتطاول عليه ، أو الحط من قدره ، علموهم أدب التعليم ، وأدب الحوار ، وأدب السؤال ، حتى يُحَصِّلوا علما ، ويحملوا أدباً ، حق المعلم أن تُظْهر مناقبه ، وتستر معايبه ، ويُعظَّم قدره ، ومن أهان المعلم يجب أن يلقى ما يردعه.


اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى