عام

معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس في خطبة الجمعة: احرصوا على أخذ الحقيقة والعمل بها على ضوءِ الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، واحذروا من المتاجرين بالأوهام .

- _مكة المكرمة

أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة بالمسجد الحرام معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام ابتدأها قائلاً: الحَمْدُ لِلَّه تفَرَّدَ بالألوهية توحيداً واعظاما، نحمده -سُبْحَانه- أظْهر بَدِيع حكمته حقيقةً لا أوْهاما، فاتَّقوا الله –عِبَاد الله- واعلموا أنَّ تَقْوَاه هي السِّرَاجُ المُنيرُ في حُلَكِ الدُّجَا، والمُعْتصَمُ الوثيق لِذَوي الحِجَا، والمِعْرَاجُ السَّنِيِّ عِنْدَ الضَّرَاعَة والالتجاء، وبها الظَّفر وأيم الله – بالرَّغَائِب والرَّجَا، فالقدر محتوم، والرزق مقسوم، ومن لم يتزود التقوى فهو المغبون المحروم ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾.

وأضاف معاليه: في عالمٍ يموج بالتحديات والأزمات، وفي عصر كثرت فيه الأوهام والخيالات، تأتي أهمية استجلاء الحقائق والموقف الحق مما يشاع ويذاع مما يخالفها، وإنَّ الحقيقة الكبرى التي لا تخالجها الخيالات والاوهام، توحيد الملك العلام، فلقد بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، بعقيدة التوحيد الصَّافية الخالصة {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3]؛ ليُحرِّرَ العقول والقلوبَ من رِقّ العُبوديَّةِ لغيرِ الله، ويُثبت فيها أن لا إله إلا الله، كلمة، الإخلاص، ومُفردة الاختصاص، وعنْوان الفوْزِ والخلاص، ولِيرفعَ النفوسَ إلى قِمَمِ العزِّ والشَرفِ والإباء، ويسموَ بِها عن بُؤرِ الالحاد والشِّركِ والوثنيَّة والشّقاء، والخُرافَةِ والشعوذة والأرْزاء، وإنّ أول أركان الإسلام الحميدة، وأوثقِ عُرى الإيمان المجيدة، وأرسخ ثوابت عقيدة السلف الصالح العتيدة، شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّه سبحانه الذي يملك النفْع والضُّر وحده، {وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير}، وهو المستحق للعبادة وحده دون سواه.

مؤكداً أن تلك هي عقيدةَ المسلمِ الصحيحة، وهي أعزُّ شيءٍ عليهِ وأغْلى ما لديه، فلا مُساومةَ عليها مهما كانت المتغيرات، ولا تنازل عنها مهما كانت التحديات، فالمؤمن الحقّ ديْدنُه التوكُّل على ربّه، فلا يدعو ولا يرغب ولا يرجو إلا خالقهُ عزّ وجلّ، ولا يخاف و لا يرهب إلا منه وحده تبارك وتعالى، {قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين}، ومن أجلِ ذلك أيُّها المؤمنون جاء النهي صريحًا في الكتاب العزيز والسنَّة النبوية المطهّرة، عن كلّ ما يخالفُ هذِه الحقيقة الثابتة ويُضادُّها من الأوهام والانحرافات العقدية، كالتعلّق بغير الله سبحانه، واعتقاد النفع والضرّ بيد غيره عزّ وجلّ، ويأتي في الطليعة من ذلك؛ التّعلّق بأوهام السّحرة والمشعوذين والكهنة والعرّافين، سماسرة الخرافة والدجل والتضليل، الّذين أرْدَوْا كثيرًا من المسلمين إلى حضيض الشّرك الدّامس، والجهْل الطّامس، ومنها التعلّق بالأضرحة والمقامات، والأبراج والطوالعِ والنجوم، واعتقاد تأثيرها في حياة الإنسانِ فرحًا وترحًا، خُمولاً ونشاطًا، كدَرًا واغتباطًا، وأنَّ منْ وُلِدَ في برج كذا، فهو السعيد المحروس، ومن وُلِدَ في برج كذا، فهو التعيس المنحوس، في سردٍ للفضائح وإعلانٍ بالقبائح لا يُقرُّها شرعٌ ولا عقلٌ ولا منطق! فسبحان الله عباد الله! كيف تفْتِك الْخرافات والأوهام بعقيدة أولي الحجا والأفهام، فاحرصوا على أخذ الحقيقة، والعمل بها على ضوءِ الكتابِ والسنَّة ومنهج سلف الأمة، واحذروا من المتاجرين بالأوهام.

وأوضح الشيخ السديس أن من القواصم الفاقرات لأزكى الاعتقادات، تعاطي السحر والشعوذة وإتيان السحرة والساحرات، وإنّه – لعمر الحق- لجمعٌ بين الكُفرِ بالله، والإضرارِ بالناس، والإفساد في الأرض بوَبيلِ الأرْجاس، قال صلى الله عليه وسلم محذّرًا من الذهاب إلى السحرة والكهّان وتصديقهم في الأوهام والبهتان: “من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد”، أخرجه الحاكم وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقدْ عدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم السحر من السبع الموبقات، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

محذراً من أنّ هؤلاء الدجاجلة الأفّاكين منتشرون في بعضِ الوسائل الإلكترونية الحديثة، من القنوات، والمواقع، والشبكات، فلهم معرِّفاتٌ ودعايات، تروج الأباطيل مع الأسف اللاهب على العامة والدّهماء من الفتيان والفتيات، – ولا نكتم الخجل- تتاجر ببضاعتها على بعض الموهومين والمتعالمين، ولهم أسماء وبرامج للحظ زعموا، مِمَّا يفتِن الجُهال والأغرار، بل ربَّما يتصدى للفتوى كل متعالم مأفون، أو يتطبَّب من ليس في الطبِّ من قليل ولا كثير، وتَتكلَّم الرويبضةُ في كلِّ فنٍّ، والمُتلقّون لهذه الأوهامِ يرْتعون بكلِّ وخمٍ وزخَم دون تمييزٍ بين الغثِّ والسمين, وعلى من يهمه الامر من الآباء والأمهات والمربين والمربيات، والعلماء والدعاة، ورجال الحسبة وفّقهم الله وأيّدهم، أن يبادروا بالتحصين الإيماني لمجتمعاتهم، ضدَّ هذه المزالق الوهمية، والأعمال الشيطانية، والتكاتف والتعاضد للقضاءِ على هذه الاوهام؛ لما تمثّله من خطرٍ على الأمة، وإخلالٍ بأمن المجتمع، وإفسادٍ لعقيدة المسلمين، واستهانةٍ بعقولهم، وابتزازٍ لأموالهم، وتثبيطٍ لهممهم، في متاجرة خاسرة وصفقات بائرة، والنصيحة مبذولةٌ لكل من ابتُلي بهذه الأمور المزرية الشنيعة، أن يتوب إلى الله ويؤوب، ويستغفره من هذه الشركيات الجاهلية، والوضاعات الخرافيّة؛ طاعةً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحفاظًا على دينه، وعقيدته، ومن الأوهام المتعلقة بالعقيدة.

وبين السديس أن من مضلات الأوهام، واستلابات الأفهام، التي بلي بها فئام من الناس، اللهاث الماديّ خلف تجار الكسب السريع، دون تثبُّت من مصادر هذه الأموال، وهل هي من حلال أم حرام، ودون نظرٍ إلى عواقب الأمور ومالاتها، وذلك الذي أودى بكثير ممّن سلكوا هذه المسالك الموبوءة، والطرق الملتوية المشبوهة، إلى المصير المحتوم؛ ألا وهو الإفلاس والعيش المُدقع المأزوم، أو الوقوع في الفساد وغَسْل الأموال أو الكساد، ويلحق بهؤلاء الأَفْدام الأغرار، أقوام غدوا في رقِّ وبيلِ الأوطار، فبحثوا عن الكمال في صحَّة القامات وقوّة العضلات، وجمال القسمات، وذلك عن طريق تعاطي بعض المنشطات، والخلطات، مجهولة المصادر والهويّات، التي يروجها ويبيعها أشخاصٌ مجهولون، وأفرادٌ منكرون، من أهل الابتزاز والإفساد، مروِّجو المفتِّرات والمخدِّرات، للمتاجرة بأوهام القوة والفتوّة، والنشاط والاسعاد، وفي نهاية المطاف يكون هؤلاء المساكينُ رهْن المستشفيات والمصحّات؛ للتخلّص من إدمان المخدِّرات الذي سلب عقولهم وصحتهم، وأموالهم وقيمهم، ودمّر نفسياتهم، وأشقى أسرهم ومجتمعاتهم.

وفي ختام خطبته أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام قائلاً: في
هذه الأيام الباردة والليالي الشتائية القارسة، بأنَّ لنا إخوانًا في الدين من المحتاجين والمتضررين والنازحين واللاجئين ولا سيما في فلسطين، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، في مخيمات لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة، ولا يجدون ما يقيهم عواصف الشتاء الباردة، من لباسٍ ودواء، وغذاءٍ وكساء، إلا ما تجود به أيدي إخوانهم في العقيدة. فالله الله عباد الله، وأنتم تعيشون الأمن والرخاء: أسهموا في تخفيف آثار هذا الشتاء القارس على إخوانكم، وذلك بغوثهم عن طريق المؤسسات الموثوقة، والمظلاّت المأمونة، لتنالوا الأجر العظيم من المولى الكريم سبحانه، ونسأل الله ان ينزل من لطفه ودفئه على المستضعفين والمتضررين إنه جواد كريم.


اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى