توطين الإعلام في المملكة.. الدوافع والمتطلبات
- - المدينة المنورة
اتخذت المملكة العربية السعودية في السنوات القليلة الماضية خطوات فاعلة في مسار توطين العديد من المهن، ضمن إجراءات شاملة لإعادة هيكلة سوق العمل، بهدف توفير فرص العمل لأبناء المملكة وبناء كوادر مهنية، وإعطاء الفرصة للكفاءات الوطنية، وقد ارتبطت تلك الجهود بالمساعي الدؤوبة نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، لتمكين أبناء وبنات الوطن من الفرص الوظيفية المناسبة لهم، ورفع مستوى مشاركتهم في العملية التنموية الشاملة التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير الملهم محمد بن سلمان ولي العهد – حفظه الله -.
وفي الوقت الذي شملت فيه جهود التوطين قطاعات مهنية عديدة، ظهر العديد من المطالبات بشمول تلك الجهود لمجال الإعلام أيضًا، بالنظر إلى أهميته في بناء الوعي، والتعبير الدقيق عن شواغل واهتمامات المجتمع، وتقديم خطاب مسؤول، يدعم قضايا الوطن في سياساته الداخلية والخارجية، وتعزيز سمعة الدولة والمحافظة عليها، فهو من الأدوات الفاعلة على صعيد القوة الناعمة.
وبرزت ثمة مؤشرات في الآونة الأخيرة على صعيد اتخاذ خطوات نحو توطين الإعلام في المملكة من بينها إطلاق مشروع المدينة الإعلامية ضمن رؤية 2030، التي من المقرر أن تجمع تخصصات ومجالات متقاطعة مع الإعلام مثل الثقافة والتقنية والابتكار، بالإضافة إلى إنشاء شركة إعلامية بإشراف وزارة الرياضة تعمل على صنع هوية خاصة بها وصناعة محتوى تحريري ورقمي، وكذلك نقل مقرات القنوات ومجموعات إعلامية قائمة على رؤوس أموال سعودية إلى الرياض.
“أهمية توطين الإعلام”
يلعب الإعلام مجموعة من الأدوار المهمة في مسيرة الدول وحياة المجتمعات والأفراد، فهو يسهم في التنشئة الاجتماعية وغرس الوعي وبناء الشخصية الوطنية، وتشكيل الرأي العام، ومعالجة القضايا ودعم جهود التنمية. وتتلخص وظائف الإعلام في ثلاثة جوانب رئيسية أولها نقل المعلومات والأخبار، وثانيها يتمثل في التوعية والتثقيف وتنوير المجتمع بالقضايا التي تشغله والتحديات التي تواجهه والفرص الواجب اغتنامها، أما عن الوظيفة الثالثة فهي أقرب ما تكون إلى وظيفة رقابية على الأداء الحكومي، لدرجة أنه يوصف بـ”السلطة الرابعة” إلى جانب السلطات الثلاث الأخرى التنفيذية والتشريعية والقضائية.
ومما لا شك فيه أن أداء تلك الأدوار يرتبط على نحو كبير بالقائم على عملية الاتصال، ويتمثل ذلك في الصحفي أو الإعلامي، فهو المنوط به إيصال الرسالة الإعلامية إلى الجماهير بشكل يُسهم في تحقيق الهدف من وراء تلك العملية، لذلك فإن هوية وانتماء الصحفي عاملان على قدر كبير من الأهمية والتأثير في ممارسته لمهامه، ولعل هذا الأمر يشكل نقطة ارتكاز أساسية للمطالبات المستمرة بتوطين مهنة الإعلام في المملكة، فأبناء هذا الوطن هم خير من يحمل على عاتقه الدفاع عن قضاياه في مواجهة حملات خبيثة تستهدف زعزعة استقراره ومواجهة طابور خامس من إعلاميين أجانب منتفعين.
كما أن الإعلاميين والصحفيين الوطنيين هم الأكثر قدرة على إيصال الرسائل بحكم الانتماء لذات البيئة والميراث التاريخي والثقافي، فضلًا عن التمتع بحس وطني وهو متطلب رئيسي في ممارسة الإعلام ووضع مصلحة المملكة وشعبها فوق كل اعتبار.
“خطوات على طريق التوطين”
توجد ثمة مجموعة من الإجراءات والمشروعات التي تمهد الطريق لتوطين مهنة الإعلام في السعودية، تمثلت في إعلان مشروع المدينة الإعلامية التي ستكون مركزًا إعلاميًا وثقافيًا وتقنيًا رائدًا في المنطقة، وستعد مساهمة كبيرة في تطوير صناعة الإعلام في السعودية كونها تشمل قطاعات في الثقافة والإعلام والتقنية، والتي تؤثر بشكل مباشر على الصناعة الإبداعية المستقبلية، كالنشر والبودكاست والأفلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، والإعلان الرقمي والتعليم الرقمي والواقع المعزز وتطوير المحتوى، والتصوير والصحف والمجلات والإذاعات والمحطات التلفزيونية، وغيرها.
ويأتي مشروع المدينة الإعلامية تأكيدًا على دعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد – أيدهما الله – لمسيرة البناء والتنمية والازدهار لتحقيق المحاور الرئيسية الثلاثة، التي تعتمد عليها رؤية 2030، مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح.
ومن بين الخطوات التي تم اتخاذها أيضًا، إطلاق شركة إعلامية رياضية مملوكة للحكومة، بالإضافة إلى نقل مقرات شركات الإعلام السعودية المملوكة للدولة في الخارج إلى العاصمة الرياض، وذلك في إطار المضي قدمًا في خطط تحويل المملكة إلى مركز أعمال إقليمي، وتأتي الخطوة في أعقاب قرار الحكومة السعودية في وقت سابق من العام الجاري التوقف عن منح عقود حكومية للشركات والمؤسسات التجارية التي توجد مقراتها الرئيسية في أي دولة أخرى بالشرق الأوسط.
“تأهيل وإعداد الكوادر الإعلامية الوطنية”
وارتباطًا بالدعوات المتعلقة بتوطين مهنة الإعلام في المملكة، تبرز أهمية تفعيل دور التعليم في توفير الكوادر المؤهلة للعمل في المؤسسات الإعلامية، والدراسة المستفيضة لحاجة السوق للكوادر الإعلامية والمهارات المطلوب توافرها، ويتم ذلك عبر إعادة بناء أقسام الإعلام في الكليات والمعاهد والأكاديميات المعنية بالإعلام والصحافة، بحيث تكون مخرجاتها تتلاءم مع سوق العمل الحالي والمستقبلي الذي سيشهد استثمارات كبيرة في المجال الإعلامي بشكل يكفل تلبية الحاجة المتزايدة إلى كوادر وطنية مؤهلة لتشغيل تلك المحطات والمؤسسات الإعلامية.
وقد أصبح تعليم الإعلام في العصر الراهن مطالبًا بإعداد وتخريج نوعية متميزة من الخريجين الذين تتوافر فيهم القدرة على التعلم والتدريب مدى الحياة، ولن يتحقق ذلك إلا في ظل وجود نظام أكاديمي تتوافر فيه متطلبات الجودة الشاملة في العملية التعليمية، مما يتطلب إعادة النظر دوما في منظومة تعليم الإعلام بكافة جوانبه ومضامينه ووسائله وأشكاله ومرافقه ومعامله وأدواته وفقًا للتطورات التكنولوجية والتقنية في ثورة المعلومات ووسائل الإعلام والاتصال.
ومن هنا لا بد من الاهتمام بشكل واسع بمجال النشر الإلكتروني والاتصال التسويقي، فضلًا عن الأخذ في الاعتبار أن تطوير الخطط التعليمية والمناهج الدراسية بكليات ومعاهد وأكاديميات الإعلام ينبغي ألا يتم بمعزل عن التشاور مع المهنيين الذين يمارسون العمل في وسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك العاملون في وزارة الإعلام والجمعيات المهنية الإعلامية، فمن الأهمية بمكان الاستعانة ببعض هؤلاء المهنيين في تدريس بعض المواد أو تقديم مواد تدريبية.
واتصالاً بتلك المسألة تبدو ثمة حاجة ماسة إلى زيادة الجرعات التدريبية لطلاب ودارسي الإعلام في المملكة بما يمكنهم من التعرف عن قرب على طبيعة العمل في المؤسسات الإعلامية، ويمكن تحقيق ذلك الهدف من خلال الاهتمام ببرامج التدريب التعاونية مع الجهات الإعلامية المهنية، وتكثيف الاهتمام بالتطبيق في المواد النظرية المتعلقة بالجوانب المهنية، مثل مقررات الإنتاج والتصميم والتوثيق وغيرها.
كما تبرز أيضًا الحاجة إلى اهتمام أقسام الإعلام في المملكة بتوفير الإمكانات التقنية الحديثة في مجال الاتصال، عبر إنشاء وحدات متقدمة للتدريب مجهزة بأحدث ما يستخدم في ميدان العمل الإعلامي المهني من حاسبات وبرامج متخصصة، بجانب إنشاء استوديوهات إذاعية وتلفزيونية عصرية تحاكي ما هو متوفر لدى المحطات الإذاعية والتلفزيونية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن توطين مهنة الإعلام في المملكة يعد خطوة على طريق تمكين جيل جديد من الإعلاميين الشباب، الأمر الذي لا بد أن تسبقه عملية تأهيل وإصقال مهارات تبدأ من خلال تكوين شخصية الإعلامي أو الصحفي عبر الدراسة الأكاديمية التي تربط بين الجوانب النظرية والتطبيقية، وهنا يقع على عاتق المؤسسات الإعلامية الخاصة والجمعيات المهنية أن تقوم بدورها للمشاركة في تأهيل الدارسين في أقسام الإعلام في الجامعات والمعاهد السعودية، وتسليح خريجي الإعلام بأدوات ممارسة المهنة وتوعيتهم بأخلاقياتها ومدونات السلوك الإعلامية، ومن بين المقترحات في هذا الصدد تخصيص فترة تدريبية إلزامية قبل تخرج الطلاب يمارسون فيها العمل الإعلامي في المؤسسات الصحفية ومحطات الإذاعة والتلفزيون.
اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.