أخبار المجتمعكُتاب المقالات

خدش المرايا

الكاتب / مشاري الوسمي -

في الليالي المزدحمة تضيق آفاق الأفكار، تختنق الذكريات، وللحظات يبقى العقل صامتًا، تتلفت عيناي هنا وهناك، وجوهٌ باسمة وأخرى باردة، أصواتٌ متداخلة تقرع أجراس الحرب في رأسي، رغم الزحام أشعر بالوحدة والاختناق، تتبدل ملامحي كل ما لمحت وجهًا باسمًا ينظر إليَّ رغم فتور الملامح، واحتضار نظرات الحاضرين.

أناضل في الزحام مكرهًا، لا أقوى على مواجهة أفكاري، ولا حتى سيل الذكريات الذي يغمرني في كل خطوةٍ أخطوها، للأماكن رائحةٌ لا تُنسى وهمسٌ يصم الآذان .
وجوه الناس تتشكل لملامح أخشاها، ولا أقوى النظر إليها، أهرب من نفسي وأسلك طرقًا لا أعرفها، باحثًا عن مخرج يُنسيني أو يجعلني أُولد من جديد، لكن الطرق متشابهة، وتفاصيل الحياة مهما أختلفت تقودني مكبلًا لأصارع ذاتي، رغم بسالتي وصلابة رأسي وعنادي، لكنني أمامها أُهزم وأسلم مفاتيحي.

أستيقظ صباحًا لأراها في ملامحي و تعابيري، حركات يديَّ، ورائحة قهوتي وتفاصيلي المخفية، استنشقها حتى أملأ رئتيَّ منها، يضيق صدري عن غيرها، تكتفي عيناي بصورتها، تزدحم أفكاري بها، تستقبلني الأماكن بطيفها، كأنها ملكت دنياي وأصبحتُ سجينها.

رغم تظاهري بالاستسلام والخضوع، إلا أنها حربٌ باردة تتخللها مناوشات خفيفة، وأسلحة غير معلنة، هروب متكرر، ورفض دائم للسيطرة والخنوع، مكائد وردية، وتجاهلٌ رجولي راقٍ، بين هذا وذاك تمضي الحياة بجانبها.
اختلفنا أم أتفقنا، تواجهنا أم أحببنا الهروب، فلا حياة لآدم دون حواء.
دمتم بحُبّ، وبالحُبِّ تنعمون .


اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى