أخبار المجتمعكُتاب المقالات

حَنين

بقلم أ. محمد الرياني  -

يمسكُ قبضتَها الصغيرة ،صفراءَ كالوردِ من الخارجِ وحمراءَ من الحنَّاء في الداخل ، يمارسُ اللعبَ معها لتضحك ، عندما يَرى بريقَ أسنانِها وهي تلمعُ كالوميض في ليلةِ شتاءٍ يبدأُ بسحبِ أصابعِها العشرِ واحدةً واحدةً ليفرقعَها وهو يحكي لها مع كلِّ إصبعٍ حكايةً قصيرةً فتضحك وتطلب المزيد ، انتهى من العشرِ وعادَ من جديد ،قال لها: ما أجملَ أصابعك ! يُقبِّل الأولى وهو يقول: ما أحلى إصبعك ! نفسي ألتهمُها هي والحنَّاء ، تبتسمُ الصغيرة وتضعُها في فمِه وهي تقول : كُلْها يا أبي ، يضمُّها بحنان ويعود للإصبع الثانية ، يقبّلها أكثرَ من الأولى ، هذه ألذُّ من أختِها ،ما رأيك أن أتذوق الثانية ؟ تمدُّ يديها نحوه فيفتحُ فمَه للعشرِ المكتسيةِ بالحُمرةِ من حنَّايةِ الدار ، قالَ لها ، مَن وضعَ لك الحناء؟ قالت :ماما …ماما ، أظهرَ لها أنه يعتبُ على أمها لأنها لم تفعل له مثلَها ، فارقته واتجهت إلى أمها تخبرها بما قال أبوها ،نادى عليها بأنها يمزح ، عادت إليه فاستمرَّ يقبّل كلَّ جزءٍ في يدِ الصغيرة ولم يشبع ، همست في أذنه ،أبي ألهذه الدرجة أعجبتك يدي ؟ قال : بل أكثر ، نظرَ إلى شجرة الحناء العتيقة التي جاوزت البناء وهي خَضِرةٌ نَضِرةٌ تتضوعُ رائحتُها في مساحةِ الدار ، اقتربَ من ابنته أكثر وأمسكَ بأصابعها ينظر من خلالها ، قال لها : كأنِّي أرى يدَ أمي وهي تغرسُ الحناء ، همت عينُه بالدموع وعادَ يقبِّل الأصابعَ الحمراء. 

بقلم 

محمد الرياني 


اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى