عام

قراءة سيسيولوجية للعلا،أرض الحضارات الخمس بالأمس،أرض اجتماع قادة الخليج اليوم

العلا _ منى أبوحمود -

خطفت العلا التي كانت على موعد قدري تاريخي مبهج خلال اليومين الماضيين أنظار العالم من جديد وعلى وجه الخصوص المهتمين بالشأن السياسي والحالة الخليجية في منطقة الخليج العربي،وأيضاً المتابعين من خارج السور السياسي بتداعيات الأزمة الإقليمية التي انطلقت من الكويت قبل فترة وجيزة بشارات انفراجاتها الأولى وبمباركة كريمة من بيت العرب والمسلمين المملكة العربية السعودية والرياض عاصمة المجد والترحاب الدائم الداعم من لدن القيادة السعودية الحكيمة بالسعي الدائم الداعم لكل الحلول الكريمة المحققة للسلام وأمن المنطقة وتوثيق عرى الأخوة بين الأشقاء في البيت الخليجي والعربي الواحد.

ويأتي هذا الاهتمام المنقطع النظير بالعلا في الوقت الراهن عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل بعد أن حظيت العلا بالمكرمة الملكية للعلا التي تضمنت اعتماد العلا المدينة المستضيفة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي لعقد الدورة 41 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية يوم الثلاثاء القادم 5 يناير في العلا.

حيث أعرب مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين عن الترحيب بأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية عبر موقعها الرسمي في منصة تويتر فور انتهاء الجلسة المرئية عن بعد لمجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الذي زف للوطن والعالم حزمة من الأخبار المبهجة التي تصب في ازدهار وتقدم المملكة وشملت تسليط الضوء على جهود ومواقف الحكومة السعودية الخيرة تجاه الدول الشقيقة والصديقة ورصد منجزات ميزانية الخير والبركة ومتابعة تطورات الأحداث الراهنة.

وفي سياق متصل عبر أهالي العلا عن فرحتهم الغامرة بهذا الحدث التاريخي من خلال وسائل التواصل التي اشتعلت بتصدير المباهج حيال هذا الحدث الأول من نوعه في العلا شاكرين الله العلي القدير ثم حكومة خادم الحرمين الشريفين على إهداء العلا وأهلها هذا الشرف العظيم الشاهد على مكانة العلا في قلب خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وخاصة وأن سموه يتسنم من بين مناصبه القيادية العليا منصب رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمحافظة العلا التي تعد هي الأخرى واحدة من مكرمات خادم الحرمين الشريفين للعلا والوطن منذ العام 2017 لتدخل العلا بوابة التاريخ من أوسع أبوابه حيث سعى سموه بجهود حثيثة مباركة لأن تكون العلا واحدة من الوجهات السياحية الأولى في الشرق الأوسط وعلى المستوى العالمي ترجمة لرؤية سموه للسعودية 2020 ورؤية العلا المنبثقة من رؤية السعودية 2020 والتي تكرم سموه قبل عامين بتدشينها من أرض العلا ومن تحت قبة مسرح مرايا الذي تم إدراجه ضمن قائمة جينيس للأرقام القياسية كأكبر منشأة مشيدة بالكامل من المرايا.مايعني أن العلا كبقعة سعودية أصبحت منذ 2017 أرض المنجزات الحضارية ذات الصبغة العالمية مما يدعم أحقية العلا في أن تكون بالفعل واجهة سياحية أولى في الشرق الأوسط بجانب ماحظيت به في 2009 بتسجيل موقع مدائن صالح(الحجر)كأول موقع أثري سعودي يتم تسجيله واعتماده كتراث حضاري غير مادي في اليونسكو.

أما العلا على الصعيد التاريخي والموقع الجغرافي الاستراتيجي والتنوع الثقافي والموروث الإنساني الحضاري غير المادي الذي أهلها لهذه الحالة الاستقطابية الرفيعة النوعية إقليميًا وعالميًا،فالعلا الواقعة شمال غرب الجزيرة العربية منذ التاريخ القديم وأزمنته السحيقة على الطرق التجارية القديمة فقد مرت بعدة حضارات قديمة عبر 7000 سنة منها الثمودية والنبطية واللحيانية والدادانية والرومانية على اختلاف الأقوال المؤكدة من المشككة بالوجود التاريخي للحضارة الرومانية.

وتبعًا لهذا الزخم المتراتب من تعاقب الحضارات عبر هذه الأزمنة اكتسبت العلا منذ القدم أهميتها كواحة ريفية مسورة بسور رباني شاهق من سلسلة جبلية صخرية وبركانية وترابية،أو(رملية رسوبية)تتمدد مغروسة في مساحات شاسعة من الكثبان الرملية الصحراوية الخلابة المتداخلة كمنحوتات جبلية تشكلت بفعل عوامل التعرية لتصبح المنطقة بأكملها(المتحف الرباني الطبيعي،المفتوح تحت السماء وأشعة شمس الله وقمره ونجومه).

بينما تتفرد العلا الحاضرة داخل الوادي الفسيح المعروف بوادي القرى مرتع النعام القديم عندما كان يسمى بشعب النعام لتكاثر طيور النعام في الوادي الخصب.
بالإضافة إلى الصبغة الأدبية المشهورة في التاريخ الأدبي العربي كموطن ومسرى الشعر العذري وقصائد الحب والغزل العفيف الذي جر ذيوله المترفات بين البساتين والنخيل والبرتقال والليمون والخوخ والنعناع والرياحين التي خلدها الأب الروحي للشعر العذري العاشق العفيف جميل بثينة في بيته الفاره الشهير:(ولقد أجر الذيل في وادي القرى
نشوان بين مزارع ونخيل).

بكل هذه الخصائص والمناقب المكانية والزمانية والبشرية وملامح ومظاهر الحياة المرتحلة عبر الأزمنة والعصور المتعاقبة استطاعت العلا بفضل الله ثم ببراعة إنسانها أن تبدع في صناعة وصياغة الدهشة والإبهار المؤديان لعشق المكان والوله بتلابيب أهله مذ زمن النحت في الجبال والنقش على الصخور زمن قوم ثمود والنبي صالح.فكانت ومازالت عبر آلاف السنين إلى اليوم البيئة الجاذبة غير الطاردة للبشر المتجذرين كجذوع أشجارها السامقات،الممتدين كعروق نخيلها الباسقات.
ولذلك هاهي العلا اليوم بشقي مجتمعها(الحاضرة الريفية)و(البادية الصحراوية)يعيشون زمنياً على الأقل منذ 800 عام ضمن نسيج مجتمعي واحد متآلفين متحابين على الخير مابقي الخير في أمة محمد وبذات المسميات للقبائل وتفريعاتها البدوية الأصيلة والعشائر الريفية الأصيلة أيضاً حيث يمكن للباحث الدارس المهتم أن يستدل عليها فقط بالتوثيق المدون المحفوظ من خلال وثيقة العقد الاجتماعي المتعارف عليها بوثيقة(إبن يسرة)المؤرخة بثمانية قرون.فكيف بما لم يصل إلينا ومالم نحط به خبراً من مدونات ووثائق بالتأكيد هي حافظة لمايفوق المتوقع والمتخيل من أمجاد وسؤدد أهل العلا والتاريخ يسجل درة تاج هذا السؤدد من السيرة النبوية العطرة بمرور المصطفى رسول الهدى محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بأرض العلا وهو في طريقه إلى غزوة تبوك ومكوثه المؤقت في العلا وصلاته في البقعة المباركة التي خطها بعظم فسمي الجامع بعد تشييده في ذات المكان بمسجد العظام.

هذا والعلا المكان الصغير المخضر في واد بين جبلين أحدهما يستقبل شروق الشمس في كبد السماء والآخر يودع غروبها وهي في كبد السماء المدنية كحاضرة اليوم يتم تصدير العلا وتسويق هذا الإرث العظيم من خلال العناوين العريضة بينما يشهد لها تاريخ الدراسات والبحوث الأكاديمية الداعمة المعززة لمكانة العلا الأرض والناس ومخرجاتهم العديد من المدونات الدراسية والبحوث الميدانية من خلال الرحالة العرب القدامى والحجاج الفقهاء المؤرخين والمعنيين بأخبار البلدان.
وأيضاً من خلال الرحالة المستشرقين خلال 140 عاماً خلت كأمثال تشارلز داوتي وهوبر وأوتينج وسافيناك وجوسين وآخرين.وبينهم من حمل كاميرته قبل قرن من الزمان ليوثق بعدسته مايمكن تصنيفها اليوم من فرائد الإرث الفوتوجرافي العالمي بنوادر الصور والرسومات التخطيطية لمعالم العلا ورصد ملامحها المجتمعية.

العلا عرفت منذ القدم بتنوع أكثر من جمال طبيعة..ومن بينها طبيعة الناس/الطبيعة الأهم الجاذبة لبقية أنماط الطبيعة المحرضة على زيارة العلا وعلى التوطين البشري.وأيضاً لاعتبارات أخرى أهمها ضمان مصادر الرزق الوفير بمشيئة الله لغزارة العيون المائية في الأزمنة القديمة الزراعة كمورد اقتصادي خاصة النخيل منذ العهد الثمودي
وبالتالي بحكم حياة الرفاه المعيشي والاستقرار الآمن عرف عن أهل العلا منذ القدم الكرم وحب الضيف العابر أو النازل المستقر والترحاب بكل قادم إلى العلا.
ولعل هذا مايفسر تعاقب الحضارات والتنوع المجتمعي المتعدد الأعراق والإثنيات في العموم حيث الآمان هو العنصر الأهم والأبرز في التَطين البشري فوق كل أرض وتحت كل سماء والأمان في العلا كصفة فاعلة ثابت بالدليل القرآني بقول النبي صالح لقومه معاتبا تركهم لأرض العلا ورحيلهم إلى الحجر:(أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم)،(وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين).

ولذلك..ولكل هذا الإرث الحضاري الزماني المكاني للعلا،الحاضر الذي ينتح من الماضي هذه القيم العظمى لمكانة العلا،المحظية اليوم بكل هذا الاهتمام الرسمي والإعلامي والجماهيري خاصة في هذا العهد الملكي السلماني الزاهر المفعم بالحب القديم من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله،الذي تجلى عشقه الدائم للعلا من خلال حوار قديم مع صحيفة الشرق الأوسط عام 1989 حيث أجاب على سؤال بقوله:(لو خيرت العيش في مكان آخر غير الرياض لاخترت العلا).وقد كان وقتذاك أميرا للرياض.

ومن هنا يتضح لغير العارف بأن عشق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للعلا وأهلها قديم جدا.ولذلك من الطبيعي أن يمتد عبق هذا الحب إلى قلب وروح وعقل عضده الأيمن سمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان،الذي لم يكتف بكل ماحققه من منجزات للعلا داخل العلا وعلى أرض الواقع بل حمل العلا كأي محب مخلص لوطنه ولمحبوبته العلا ليطوف بها كمنارة حضارية ثقافية حول العالم من خلال جولاته على رأس وفد رفيع زار بالعلا وبتراثها ومعالمها الحضارية دول الشرق الأدنى والشرق الأقصى المهتمة بالثقافة والحضارة كمنتج مثل اليابان والصين وغيرها قبل عامين ومن ثم عواصم الثقافة الأوربية العام الماضي مثل باريس التي شهدت العام الماضي معرضا للعلا استمر لعدة أشهر وكذلك حضرت العلا في أهم ميادين وشوارع بريطانيا وأمريكا وبذل في هذا الجهد العظيم سمو وزير الثقافة محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود طاقته الإبداعية وفكره القيادي المسوق للثقافة ونجح أيما نجاحا طيلة السنوات الماضية في تسويق العلا خارج حدود الوطن وقتذاك ومايزال تحت توجيهات سمو ولي العهد الأمين.

من هنا وعندما تكرم الحكومة السعودية بقعة غالية من الوطن بهذا الشرف العظيم في مثل هذا التوقيت المفصلي الهام جدا الذي تسعى فيه السعودية بكل إمكانياتها كبيت كبير للعرب والمسلمين بقيادة ربان السفينة وسمو ولي عهده إلى رأب الصدع وإصلاح ماشجر بين الأشقاء وبمشيئة الله تكون العلا الأرض والمكان الشاهدين على هذا الفأل الجميل المنتظر.فذاك مجد مابعده من مجد للعلا وأهلها.

كما أنه من الطبيعي والمألوف في السياسة الدولية وعلاقات الدول أن تشهد المناطق الريفية الهادئة ذات السمت المريح للنفس البشرية والطبيعة الخلابة البعيدة عن ضوضاء المدن الكبرى الاجتماعات والمؤتمرات القيادية أو على أية مستوى قيادي بين الدول إذا ماكانت واحدة من غايات هذه المؤتمرات النظر في حل الإشكاليات الكبرى بين الدول أو الأنظمة للوصول إلى نتائج إيجابية مرجوة لذلك لاغرابة في النهج القيادي السياسي السعودي لعقد هذه القمة الخليجية الكبرى على مستوى قادة المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في أرض العلا الطيبة المباركة بمشيئة الله.

 

 


اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى