أخبار دولية

الدكتورة أنيسة فخرو : من الصعب ان يتحدث الكاتب عن نفسه والعمل التطوعي مدرسة يتعلم الانسان منها

- _ الأحساء

الطموح عند الانسان لايتوقف عند حد معين من هنا كل انسان يحرص على اثبات وجوده في عمله وفي هوايته التي وهبها الله له ويسعدنا في هذا الحديث ان نغوص في اعماق الكاتبة الدكتورة أنيسة فخرو لنتعرف على تجربتها في الكتابة من خلال هذا الحديث المميز والواقعي والصريح،،

سؤال 1: هل من الممكن أن تعطينا نبذة عن تجربتك في الكتابة؟

الحقيقة إن من أصعب الأمور أن يتحدث الكاتب عن نفسه وتجربته، وقد كتب العديد من الأدباء والكتاب عن تجربتي، أمثال الكاتب عبدالحميد المحادين، والشاعر حسن كمال، والكاتب علي الستراوي، لكن أسمحوا لي أن أستعير فقرات مما كتبه الأديب الكبير أمين صالح، عن تجربتي في الكتابة، حيث يقول:
“منذ أن عرفتها عرفتُ أنها صديقة المغامرة رفيقة المغايرة شقيقة التحول، هي الموهبة بالجسارة، حضورها غير عابر غير زائل، بالأحرى هو فاعل ومؤثر، هكذا هي تشرب التجربة حتى آخر قطرة، تشرب المعرفة حتى آخر قطرة ثم تخرج لتهب نفسها للمصادفات، ما مرت في طريق غريب وتاهت، دليلها الحلم وظلها المجازفة، هكذا رأيت أنيسة فخرو طاقة لا تهدأ شعلة لا تخبو منذ أن عرفتها، منذ أن قرأت لها منذ أن رافقتُ تجربتها الخصبة الغنية، قد يمسنا اليأس، يعترينا الكسل، لكن ليست هي، برشاقة كرشاقة فجر طري تتفادى فخاخ اليأس، تنأى عن حيز التشاؤم، تطرد الكسل وتكترث لكل ما يحدث في واقعها وبيئتها، بل وتجتاز التخوم لتكترث بكل ما يحدث في المحيطين العربي والعالمي، فلا الطاقة تهدأ ولا الشعلة تخبو، وليس مصادفة محضة أن تنتقي كلمة ضوء عنوانا لعمودها الصحفي منذ سنوات دون أن تتخلى عنه وكأنها لا تريد أن تتنازل عن الحلم والأمل”.

سؤال 2: ما هي العوامل المؤثرة في الكتابة من خلال تجربتك الخاصة؟

كما تعرفون إن الكتابة لها علاقة بالكثير من العوامل، وأهمها:
أولا: علاقة الكتابة بالقراءة
علينا أن نقرّ بإن الكتابة لها علاقة وطيدة بالقراءة، وحتما تسبق الكتابة، فقد بدأتُ القراءة مبكرا منذ السابعة من عمري، وعندما بلغتُ الثالثة عشرة كنت انتهيت من قراءة الكثير من الروايات العالمية، لمجموعة من الأدباء المتميزين مثل مكسيم جوركي وتولستوي والبير كامو، هذا عدا عن قراءة جميع روايات وأعمال الأدباء العرب أمثال: يوسف السباعي، واحسان عبدالقدوس، وتوفيق الحكيم، وطه حسين، وعباس العقاد، ونجيب محفوظ، وعشرات غيرهم، ناهيك عن الكتب الفكرية للمفكر سلامة موسى، وزكي نجيب, وحسين مروة وغيرهم.
وبدأت الكتابة في الرابعة عشرة من العمر، كتابات على شكل خواطر ومحاولات شعرية خجولة لم تُنشر في أي مكان، وكانت أغلب تلك المحاولات حماسية تخاطب الوطن.

ثانيا: علاقة الكتابة بالوضع الاجتماعي والسياسي السائد
في السبعينيات كان الوضع السياسي والاجتماعي العربي بشكل عام والبحريني بشكل خاص، ملتهبا بشكل إيجابي، على عكس الوضع العربي الحالي، كانت الروح القومية العروبية السائدة بفضل الفكر العروبي الناصري هي المهيمنة على عقول الناس، مما ساهم في إشعال الجذوة الوطنية، وبرزت بعد هزيمة 1967 الأفكار الثورية التي تحفز على التغيير، وبدأت تتغلل في العقول وتنتشر في المجتمعات حركات التحرر، مما ساهم في الانفتاح الفكري على مختلف الانتاجات السياسية والأدبية، وأعطى دافعا لمتابعة نتاجات الشعراء والأدباء في العالم، لشحذ الشعور الوطني والإنساني، أمثال الشعراء ناظم حكمت، وغسان كنفاني، وسميح القاسم، ومحمود درويش، ونزار قباني وغيرهم عشرات.
وفي تلك المرحلة كتبتُ الكثير من المحاولات الأدبية والشعرية ذات الطابع الوطني.

ثالثا: علاقة الكتابة بالعمل التطوعي
العمل التطوعي مدرسة يتعلم منها الإنسان، وبالأخص في مراحل حياته الأولى، وكان انخراطي في العمل التطوعي منذ المرحلة الإعدادية، ألتحقت كعضوة مراقبة في جمعية أوال النسائية, ثم عضوة عاملة، يحق له الترشيح والانتخاب، وتقلدتُ الكثير من المناصب والمهمات مثل رئيسة اللجنة الثقافية، ورئيسة هيئة تحرير مجلة الجمعية، ورئيسة اللجنة الاجتماعية، ثم أصبحت رئيسة الجمعية، عدا عن الانضمام إلى جمعيات تطوعية عديدة أخرى مثل جمعية البحرين الخيرية، وجمعية تنمية الطفولة، وجمعية الموهبة والإبداع، وغيرهم، كل تلك المسئوليات التي كنت أتحملها كانت لها علاقة بالكتابة، وصقل المهارات، وشكلت إضافة ثمينة للتجربة.
وفي تلك المرحلة كتبت الكثير من الدراسات ذات الطابع الاجتماعي عن المرأة والطفل والمجتمع.

رابعا: علاقة الكتابة بالتخصص الدراسي والأكاديمي
كان تخصصي الأول بعد تخرجي من القسم العلمي بالمرحلة الثانوية هو الأحياء والكيمياء، كنت شغوفة بعلم الأحياء خاصة، ودخلت كلية الطب في جامعة عين شمس، وشاءت الظروف الخارجة عن إرادتي أن أتوقف عن مواصلة دراسة الطب، وأعتقد أن القدر خدمني في هذه الناحية، فدخلت قسم الفلسفة وعلم النفس في جامعة بيروت، وفي هذه المرحلة أطلعت على الجوانب التراثية العربية الإسلامية الغنية والغزيرة من الفلسفة العربية الإسلامية، وعلماء الكلام، وتعمقت في دراسة التصوف والحركات الفكرية السائدة في عزّ الحضارة العربية والإسلامية، فأصبح لدي مخزون ثقافي هائل ساعد على رفد تجربتي في الكتابة.
ثم تخصصت في علم الموهبة والتفوق في الماجستير عام 1994، وحصلت على درجة الدكتوراه عام 2003 في علم النفس النمائي من جامعة محمد الخامس بالمغرب. وكل تلك التخصصات ساهمت بشكل إيجابي في تقوية التجربة.

خامسا: علاقة الكتابة بطبيعة العمل الوظيفي
جاءت طبيعة الوظائف التي شغلتها وتقلدتها مواكبة لشغفي بالكتابة، مما ساهم في زيادة المهارات وصقل التجربة، فلقد عملتُ باحثة اجتماعية في المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل لدول مجلس التعاون الخليجية، ثم عملت في قسم البحوث والتطوير بإدارة المناهج بوزارة التربية والتعليم، ثم ساهمت في تأسيس مركز الطلبة الموهوبين في البحرين، وكل الوظائف تلك ساهمت في صقل مهارة الكتابة.
وفي تلك المرحلة كتبت الكثير من الدراسات الاجتماعية والثقافية والتعليمية والتربوية.

سادسا: علاقة الكتابة بالانفتاح العقلي واحترام ثقافات الشعوب الأخرى
الانفتاح العقلي له علاقة بعوامل عدة، منها:
أ-التنشئة والتربية في مرحلة الطفولة:
كانت تجربتي في الحياة منذ الطفولة تشجع على الانفتاح العقلي واحترام الآخر، أيّ كان هذا الآخر، وقد نشأتُ في المحرق، في بيت كبير جدا هو بيت جد والدتي، وكان البيت يشتمل على مجلس خاص للرجال ومجلس آخر للنساء، وكان يتقاطر من كل صوب وحدب للتجمع في المجالس من النساء والرجال، باختلاف مذاهبهم ومشاربهم، وكان جدي فقيها في المذهب الشافعي، وبحكم إن الإمام الشافعي كان شاعرا، لذا كان جدي يردد الكثير من أشعار الإمام، وحتى جدتي تحفظ الكثير من الشعر، لذا كان جدي وجدتي يتحدثان شعرا، وكانت لغة الحوار في البيت يغلب عليها الشعر، فقبل كل وجبة أسمع قصيدة، وعند الاسترخاء أسمع قصيدة، وقبل النوم أسمع حكاية، وهكذا دواليك، لذلك كانت البيئة الاجتماعة والثقافية منفتحة وثرية.
ب- السفر والترحال:
تجربتي الدراسية، وتجربتي في العمل التطوعي، والعمل الوظيفي، ساهموا في تنقلي وسفري المتواصل خارج الوطن، مما ساهم في إطلاعي على مختلف الثقافات عن قرب، سواء للاختلاط بالشعب العربي في مختلف الأقطار العربية، أو بالشعوب الأجنبية، واستقيت خبرات كثيرة منها، مما ساهم في صقل تجربتي الكتابية.
ج-ممارسة الكتابة يوميا
إنني اؤمن إنه كلما مارس الإنسان شيئا بشكل يومي، تمكّن منه وأصبح ماهرا فيه، وخاصة إذا كان يمارس ما يحب.
وكانت الكتابة ولازالت بالنسبة لي متعة وعشقا جارفا، لأنها تعبر عما يختزن في الداخل من أفكار وانفعالات ومشاعر.
وكانت رسالتي في الحياة منذ الصغر أن أكون مصلحة اجتماعية، وكنت أعتقد عندما بلغت العشرين إنني أستطيع تغيير الكون كله.
لكن بالطبع أيقنت فيما بعد أنني لو استطعت أن أغير أو أؤثر في سلوك شخصا واحدا فقط، فهذا مكسب كبير بالنسبة لي.

سؤال 3: ما هي أعمالك وإصداراتك؟
أصدرت حتى الآن 25 كتابا، أولهم عام 1987 بعنوان: (واقع الطفولة في البحرين)، وكان الكتاب عبارة عن دراسة ميدانية عن واقع رياض الأطفال في البحرين.
ثم أصدرت كتاب: (مظاهر العملية الإبداعية في تجربة الكتابة الأدبية في البحرين) عام 1994، وهو عبارة عن استخلاص مفهوم الإبداع ومراحله وأدواته، من خلال مقابلات ميدانية مع مجموعة من الأدباء والشعراء المبدعين، أمثال الشعراء علي عبدالله خليفة، وقاسم حداد، وعلي الشرقاوي، والأدباء أمين صالح، وعبدالقادر عقيل، ومحمد عبدالملك.
ومنذ العام 1991 بدأت التحضير لدراسة الماجستير، وتخرجت بمرتبة الشرف في عام 1994م، في تخصص التفوق والموهبة من جامعة الخليج العربي.
وفي عام 1993 ألتحقت بجريدة الأيام كاتبة عمود أسبوعي بعنوان (ضوء)، واستمريت معهم حتى 2003، بعدها كتبت في جريدة الخليج الإماراتية حتى عام 1997، ثم ألتحقت بجريدة أخبار الخليج البحرينية من 2005 وحتى 2008، ثم كتبت في جريدة البيان الإماراتية، وجريدة أوان الكويتية، 2009، ثم كتبت في جريدة الرأي الكويتية عمودي (ضوء) أسبوعيا كل خميس منذ 1 يناير 2015 وحتى 2019، وأيضا كتبت في جريدة الميدان المصرية منذ 2016، وحاليا تُنشر مقالاتي الأسبوعية في العديد من الصحف العربية، مثل صحيفة أخبار الوطن، وأخبار هجر، ونبض الوعي العربي، وفي العديد من المواقع والصحف الالكترونية.
ثم أصدرت كتاب: (الثقافة والتعليم والتفوق والإبداع) عام 1997، وهو يحتوي على دراستين: الأولى عن الثقافة والتعليم وعلاقتهما الجدلية بالمرأة في الخليج والجزيرة العربية، والدراسة الثانية عبارة عن موجز مختصر لمفهوم التفوق والمتفوقين، وكيفية الكشف عنهم، والبرامج المناسبة لهم.
ثم أصدرت ديواني الشعري الأول: (اختلاج الروح ما بين السر والبوح)، في عام 2001.
وفي عام 2000 بدأت التحضير للدكتوراه، ونلت درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف في عام 2003م.
ثم أصدرت كتابي: (الشباب: المستقبل والأمل) عام 2005، وهو عبارة عن دراسة ميدانية نفسية تحليلية عن الشباب وطموحاتهم ومخاوفهم، وفي العام نفسه فكرت في إصدار مجموعة كتب تحمل عنوان موحد هو: (سلسلة ضوء)، وبدأتها بالكتاب الأول: (التربية والإبداع، ضوء النفس)، وكان عبارة عن مقالات متخصصة في التربية والتعليم، ثم تبعته بالكتاب الثاني من سلسلة ضوء، بعنوان: (الثقافة والإبداع، ضوء الروح)، في عام 2006، ويتناول مختلف القضايا الثقافية، وتبعته بالكتاب الثالث من سلسلة ضوء بعنوان: (قضايا اجتماعية، ضوء القلب)، وهو عبارة عن مجموعة مقالات متخصصة في القضايا الاجتماعية.
ثم أصدرت الكتاب الرابع من سلسلة ضوء، بعنوان: (العشب والرياح العاتية، ضوء العقل)، عام 2008م، ويتناول مختلف القضايا السياسية، ثم أصدرت الجزء الخامس من السلسة بعنوان: (ضوء الرأي)، وهو كتاب يتناول مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، وتمت طباعته بكميات قليلة في مصر عام 2017، وأعدت طباعته مجددا في البحرين بعنوان: (ضوء الفكر)، وسيصدر قريبا بإذن الله.
وحاليا تحت الطبع، الكتاب السادس من سلسلة ضوء، بعنوان: (ضوء الشمس)، ويتناول القضايا التربوية والاجتماعية.
وأثناء إعدادي وإصداري سلسلة ضوء، أصدرت ديواني الشعري الثاني بعنوان: (رسائل حب مبتورة)، المترجم إلى اللغة الانجليزية في عام 2006.
وتبعته بديواني الثالث بعنوان: (تجليات)، وأيضا تمت ترجمته إلى الإنجليزية في عام 2010.
وفي عام 2011 أصدرت أول رواية لي بعنوان: (عين الحب).
ثم أصدرت ديوان للناشئة والشباب بعنوان (نشيد الأرض) في عام 2019م.
وأخيرا أصدرت كتابي الأدبي الذي بعنوان: (قل هو العشق) في عام 2020م.
لكن أكثر الأعمال الكتابية التي أخذت مني جهدا كبيرا ووقتا طويلا، واستمتعت بكتابته كثيرا، هو العمل التراثي المكون من أربعة أجزاء بعنوان: (حزاوي أمي شيخة، أحلام الطفولة)، فلقد أخذ مني أكثر من تسع سنوات، وكلفني مبالغ طائلة، وهو عبارة عن تجميع وتدوين القصص والحكايات من التراث الشعبي، وإعادة صياغتها وتنقيحها وتدوينها، وبفضل الله استطعت تدوين مائة حكاية وحكاية (101) حكاية، وأتفقت مع مجموعة من الفنانين لعمل لوحات فنية لكل حكاية، وكانت الطبعة الأولى تشتمل على أربعة كتب، كل كتاب يحتوي على 25 حكاية، عدا الجزء الرابع يحتوي على 26 حكاية، وقد صدر الجزأين الأول والثاني في 2006، والجزء الثالث في 2009، والجزء الرابع في 2010. وقد كتبتُ الحكايات باللغة العربية، وكل مفردة جاءت باللهجة العامية، تم شرح معناها بالتفصيل في الهوامش.
ثم أصدرت الطبعة الثانية من العمل التراثي نفسه، حيث جمعتُ (101) حكاية في كتاب واحد، وصدر الكتاب في 2017.
ثم قام معهد الشارقة للتراث، بإصدار الطبعة الثالثة من العمل التراثي (حزاوي أمي شيخة ، أحلام الطفولة)، في كتابين، الأول يشتمل على 51 حكاية، وصدر عام 2018، والكتاب الثاني يحتوي على 50 حكاية وصدر عام 2019.
وقامت مؤسسة الثقافة الشعبية بإصدار كتابي: (حزاوي بحرينية)، قصص من التراث الشعبي باللهجة العامية، في عام 2014.
وفي عام 2017م، قامت دار ذات السلاسل في الكويت بإعادة طباعة الكتاب تحت عنوان: (حزاوي أمي العودة).
ختاما أتوجه إلى كل من يريد أن يمتهن الكتابة بتوصيات أهمها:
أهمية الثقافة العامة بحيث يكون للمرء اضطلاع في مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية والفنية.
وأن يقرأ أولا وثانيا وثالثا.
ثم يكتب يوميا في أي مجال يحبه لكي يتدرب على الكتابة.
كما أنصح من يرغب في امتهان الكتابة أن يتميز بسمات أساسية مثل: روح المبادرة، والشجاعة، والموضوعية، والدقة، والتنظيم.
كما أشجع كل من يرغب في الكتابة أن يطّلع على ثقافات الشعوب الأخرى وينفتح عليهم بالقراءة والسفر.

والله ولي التوفيق،
والسلام عليكم ورحمة الله.

الدكتورة أنيسة فخرو

ويسعدني أن أقدم إليكم مقاطع من كتبي المتوافرة في المكتبة الوطنية ومكتبة الوقت ومكتبة الأيام في البحرين.
والنموذج الأول بعض القصائد الشعرية:

قصيدة من الديوان الأول (اختلاج الروح ما بين السر والبوح) بعنوان:
حاء الحزن

مُثقل ينوء هذا القلب بأحزان كل السنين
عظُم الخطب فانحنى الموج في تلاوين الحنين
أيها الإنسان قل لي:
أأنت نقطة ماء أم أنت بحر عظيم؟
أأنت ظل الأضاحي أم أنت عين اليقين؟
أأنت فرحة قلب أم أنت عقل سقيم؟
أأنت زهر الأقاحي أم أنت طير حزين؟
أأنت ذرة ملح أم أنت سر دفين؟
أأنت سيف وتاج أم أنت عبد سكين؟
أأنت طين ذميم أم أنت روح تهيم؟
أيها الشارد أسأل:
أهو الحب
أم هو الجرح المكين؟
يا تُرى من عذب الحلم
حتى غدا همسا في الضلوع أنين؟
نرجس الصبح صار شوكا
وتلاشى الحب ولون الياسمين.
*****
قصيدة من ديوان (نشيد الأرض) بعنوان:
إلى قدسِي
إلى مدينةِ القدسِ عاصمةِ فلسطينَ المحتلَّةِ

أحبُّكِ
وشَوقِي إليكِ كشوقِ الشَّمسِ في الليلِ
لعناقِ الصَّباحْ
كشوقِ رملِ الشَّواطئِ لخُطَى العاشقينْ
كشوقِ صدفِ البحرِ للعمقِ
وشوقِ الموجِ لهمسِ الرِّياحْ
وعصفِ السنينْ ..
يا قدسِي .. أحبكِ
وشَوقِي إليكِ كشوقِكِ أنتِ
لقُبلةِ حبٍّ
لصوتِ هديرِ المياهْ
لرفّةِ هدبٍ صغيرٍ بدونِ وجلْ
لرنّةِ دبكِ الخُطَى .. لصبحِ عملْ
لرقصِ صبايا الضَّياعِ على مهل مهل
كشوقِ طفلِ المخيَّمِ للضَّحكِ أو للبكاءْ
شوقِي إليكِ
كشوقِكِ أنتِ لبحرِ السَّلامْ
لزفّةِ عُرْسٍ
لفرحةِ فجرٍ
كشوقِكِ أنتِ لرفِّ الحمامْ
أحبُّكِ يا قدسي
وشوقِي إليكِ
كشوقِ النَّهرِ إلى أصلِهِ أو مُنتهاهْ
كشوقِ أمّ لطلَّةِ ظِلِّ صبيٍّ
منذُ مئاتِ السِّنينْ
كشوقِ محاصَرٍ لكِسْرَةِ خبزٍ
لرائحةِ الياسمينْ
كشوقِ مخاضِ امرأةٍ
لصرخةِ آهْ ..
*****
النموذج الثاني: حكايات قصيرة من العمل التراثي: (حزاوي أمي شيخة أحلام الطفولة) من أجل المتعة وحفظ تراثنا الثري.

الحكاية الأولى

وابختي تم المال كله لي(1)

كان يعيش إخوان ثلاثة، الأول رقبته من خيط، والثاني ريله(2) من رماد، والثالث صدره من زجاج، اشتروا كرشة(3).
فقالوا: “قبل أن نطبخ الكرشة لازم ننظفها”،
فأرسلوا ذو رجل الرماد لكي يغسل الكرشة في البحر.
أخذها أبو رجل الرماد وذهب ليغسلها في البحر، فما إن لامس الماء حتى ذابت رجله، فغرق ومات وطفت الكرشة على الماء،
وعندما تأخر الوقت ولم يرجع أخوهما أبو رجل الرماد، طرشوا (4) الأخ أبو رقبة الخيط للبحث عنه، فما إن رأى الكرشة تطفو على سطح البحر حتى صار يومئ راقصاً برأسه فرحاً وهو يردد:
“وابختي تم المال كله لي “،
وظل يهز رأسه حتى انقطع الخيط، فسقط رأسه في أعماق البحر ومات، وطفت الكرشة على الماء من جديد.
وعندما جاء الأخ الثالث ليعرف سبب تأخر أخويه، رأى الكرشة تطفو على الماء، ولم ير بجانبها أيًا من أخويه، فضرب صدره فرحا وهو يقول:
“وابختي تم المال كله لي”،
وما هي إلا لحظة فإذا بصدره يتهشم إلى قطع زجاجية صغيرة متناثرة ليسقط الرجل ميتاً في الماء، ولتبقى الكرشة (طافحة على الماي) تطفو على الماء.
***
المقصد:
الإنسان أهم من المال، والطمع ضر ما نفع، وعلى المرء ألا يفرح بما يرى من مال وينسى أن يتعظ من أخطاء غيره. والمثل يقول:
أحب لأخيك ما تحب لنفسك.

والسلام ختام.

الحكاية الثانية

بن تيسان(1)
أحلّ الثراء فجأة على رجل جاهل، وأصبح من الأثرياء، وجاء له خير كثير ومال وفير من حيث لا يدري، وفي أحد الأيام وصلت له هدية من أحد التجار، وكانت عبارة عن فص بديع في غاية الروعة والجمال،
فقال لنفسه: لابد أن أزين يدي بهذا الفص الجميل،
فبعث إلى الصائغ، فما كان منه إلا أن صنع خاتمًا جميلاً نادراً من نوعه، فماذا فعل به بن تيسان؟
لقد وضعه في إصبعه، لكن بشكل مقلوب، فرأى منظره لا يسر الناظر ولا يبهج الخاطر، فتوجه مجدداً إلى الصائغ قائلا له:
” يا صايغ أنته سويت لي شيء ما ينوصف من جماله، لكن ليش سويته لي بالمقلوب؟(2)”
فرّد عليه الصائغ قائلاً:
” سامحني يا عمي، وعطني إياه وبآصلحه لك في الحال” (3).
ابتعد الصائغ ، وتوجه إلى الدهليز لثوان معدودات، ثم رجع قائلا:
” تفضل يا عمي”،
وأخذ الصائغ يد بن تيسان وألبسه بنفسه الخاتم بشكل سليم.
طار الرجل فرحا وشكر الصائغ على صنيعه، وتعجب من مهارة الصائغ وسرعته في أداء عمله، وأعطاه بدل العشر روبيات مائة روبية (4).
ضحك الصائغ وأنشد قائلا:
” يعطي التيوس أرزاقهم بغير حساب
وأهل المعرفة رزقهم محدود
يا رب إن كان انقطاع رزقي لأجل معرفتي
إلهي اجعلني من التيوس أكون!!”
***
المقصد:
الغباء مصيبة، والمصيبة الأكبر إذا اجتمع الجهل معه.


اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى